فصل: تفسير الآيات (84- 88):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (82- 83):

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)}
{فَإِنْ تَوَلَّوْا} فإن أعرضوا فلا يلحقك في ذلك عتب ولا سمة تقصير، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ} قال السدي يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم، {ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} يكذبون به.
وقال قوم: هي الإسلام.
وقال مجاهد، وقتادة: يعني ما عد لهم من النعم في هذه السورة، يقرون أنها من الله، ثم إذا قيل لهم: تصدقوا وامتثلوا أمر الله فيها، ينكرونها فيقولون: ورثناها من آبائنا.
وقال الكلبي: هو أنه لما ذكر لهم هذه النعم قالوا: نعم، هذه كلها من الله، ولكنها بشفاعة آلهتنا.
وقال عوف بن عبد الله: هو قول الرجل لولا فلان لكان كذا، ولولا فلان لما كان كذا. {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} الجاحدون.

.تفسير الآيات (84- 88):

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)}
قوله عز وجل: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} يعني رسولا {ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} في الاعتذار، وقيل: في الكلام أصلا {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} يسترضون، يعني: لا يكلفون أن يرضوا ربهم، لأن الآخرة ليست بدار تكليف، ولا يرجعون إلى الدنيا فيتوبون. وحقيقة المعنى في الاستعتاب: أنه التعرض لطلب الرضا، وهذا الباب منسد في الآخرة على الكفار. {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} كفروا، {الْعَذَابَ} يعني جهنم، {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا} يوم القيامة، {شُرَكَاءَهُمْ} أوثانهم، {قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ} أربابا ونعبدهم، {فَأَلْقَوْا} يعني الأوثان، {إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ} أي: قالوا لهم، {إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} في تسميتنا آلهة ما دعوناكم إلى عبادتنا. {وَأَلْقَوْا} يعني المشركين {إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} استسلموا وانقادوا لحكمه فيهم، ولم تغن عنهم آلهتهم شيئا، {وَضَلَّ} وزال، {عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} من أنها تشفع لهم. {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} منعوا الناس عن طريق الحق {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} قال عبد الله: عقارب لها أنياب أمثال النخل الطوال.
وقال سعيد بن جبير: حيات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال، تلسع إحداهن اللسعة يجد صاحبها حمتها أربعين خريفا.
وقال ابن عباس ومقاتل: يعني خمسة أنهار من صفر مذاب كالنار تسيل من تحت العرش، يعذبون بها ثلاثة على مقدار الليل واثنان على مقدار النهار.
وقيل: إنهم يخرجون من حر النار إلى برد الزمهرير، فيبادرون من شدة الزمهرير إلى النار مستغيثين بها.
وقيل: يضاعف لهم العذاب. {بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} في الدنيا بالكفر وصد الناس عن الإيمان.

.تفسير الآيات (89- 90):

{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)}
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} يعني نبيها من أنفسهم، لأن الأنبياء كانت تبعث إلى الأمم منها.
{وَجِئْنَا بِكَ} يا محمد، {شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ} الذين بعثت إليهم.
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا} بيانا، {لِكُلِّ شَيْءٍ} يحتاج إليه من الأمر والنهي، والحلال والحرام، والحدود والأحكام، {وَهُدًى} من الضلالة، {وَرَحْمَةً وَبُشْرَى} بشارة {لِلْمُسْلِمِينَ} قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} بالإنصاف، {وَالإحْسَانِ} إلى الناس.
وعن ابن عباس: {العدل}: التوحيد، {والإحسان}: أداء الفرائض.
وعنه: {الإحسان}: الإخلاص في التوحيد، وذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه».
وقال مقاتل: {العدل}: التوحيد، و{الإحسان}: العفو عن الناس.
{وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} صلة الرحم.
{وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ} ما قبح من القول والفعل. وقال ابن عباس: الزنا، {وَالْمُنْكَرِ} ما لا يعرف في شريعة ولا سنة، {وَالْبَغْيِ} الكبر والظلم.
وقال ابن عيينة: العدل استواء السر والعلانية، و{الإحسان} أن تكون سريرته أحسن من علانيته، و{الفحشاء والمنكر} أن تكون علانيته أحسن من سريرته.
{يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} تتعظون.
قال ابن مسعود: أجمع آية في القرآن هذه الآية.
وقال أيوب عن عكرمة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الوليد: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} إلى آخر الآية فقال له: يا ابن أخي أعد فعاد عليه، فقال: إن له والله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر.

.تفسير الآيات (91- 92):

{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)}
قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} والعهد هاهنا هو: اليمين.
قال الشعبي: العهد يمين وكفارته كفارة يمين، {وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} تشديدها، فتحنثوا فيها، {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا} شهيدا بالوفاء.
{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية وإن كان حكمها عاما؟.
قيل: نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرهم الله بالوفاء بها.
وقال مجاهد وقتادة: نزلت في حلف أهل الجاهلية.
وقال مجاهد وقتادة: نزلت في حلف أهل الجاهلية. ثم ضرب الله مثلا لنقض العهد فقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ} {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ} أي: من بعد غزله وإحكامه.
قال الكلبي، ومقاتل: هي امرأة خرقاء حمقاء من قريش، يقال لها ريطة بنت عمرو بن سعد بن كعب بن زيد مناة بن تميم وتلقب بجعر، وكانت بها وسوسة، وكانت اتخذت مغزلا بقدر ذراع وصنارة مثل الأصبع، وفلكة عظيمة، على قدرها، وكانت تغزل الغز من الصوف والشعر والوبر، وتأمر جواريها بذلك، فكن يغزلن من الغداة إلى نصف النهار، فإذا انتصف النهار أمرتهن بنقض جميع ما غزلن فهذا كان دأبها.
ومعناه: أنها لم تكف عن العمل، ولا حين عملت كفت عن النقض، فكذلك أنتم إذا نقضتم العهد، لا كففتم عن العهد، ولا حين عاهدتم وفيتم به.
{أَنْكَاثًا} يعني أنقاضا واحدتها نكث وهو ما نقض بعد الفتل، غزلا كان أو حبلا.
{تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ} أي: دخلا وخيانة وخديعة، والدخل ما يدخل في الشيء للفساد.
وقيل: الدخل والدغل: أن يظهر الوفاء ويبطن النقض.
{أَنْ تَكُونَ} أي: لأن تكون، {أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى} أي: أكثر وأعلى، {مِنْ أُمَّةٍ} قال مجاهد: وذلك أنهم كانوا يحالفون الحلفاء فإذا وجدوا قوما أكثر منهم وأعز نقضوا حلف هؤلاء وحالفوا الأكثر، فمعناه: طلبتم العز بنقض العهد، بأن كانت أمة أكثر من أمة. فنهاهم الله عن ذلك.
{إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ} يختبركم الله بأمره إياكم بالوفاء بالعهد، {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} في الدنيا.

.تفسير الآيات (93- 94):

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)}
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} على ملة واحدة، وهي الإسلام، {وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ} بخذلانه إياهم، عدلا منه، {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} بتوفيقه إياهم، فضلا منه، {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يوم القيامة. {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا} خديعة وفسادا، {بَيْنَكُمْ} فتغرون بها الناس، فيسكنون إلى أيمانكم، ويأمنون، ثم تنقضونها، {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} فتهلكوا بعدما كنتم آمنين والعرب تقول لكل مبتلى بعد عافية، أو ساقط في ورطة بعد سلامة: زلت قدمه، {وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} قيل: معناه: سهلتم طريق نقض العهد على الناس بنقضكم العهد، {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

.تفسير الآيات (95- 97):

{وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}
{وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} يعني لا تنقضوا عهودكم، تطلبون بنقضها عرضا قليلا من الدنيا، ولكن أوفوا بها. {إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ} من الثواب لكم على الوفاء، {خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فضل ما بين العوضين، ثم بين ذلك. فقال: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ} أي: الدنيا وما فيها يفنى، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}.
{وَلَنَجْزِيَنَّ} قرأ أبو جعفر وابن كثير وعاصم بالنون والباقون بالياء {الَّذِينَ صَبَرُوا} على الوفاء في السراء والضراء، {أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أخبرنا أبو الحسن الطيسفوني، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري، حدثنا أحمد بن علي الكشميهني، حدثنا علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن جعفر، حدثنا عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى». قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} قال سعيد بن جبير وعطاء: هي الرزق الحلال.
قال الحسن: هي القناعة.
وقال مقاتل بن حيان: يعني العيش في الطاعة.
قال أبو بكر الوراق: هي حلاوة الطاعة.
وقال مجاهد وقتادة: هي الجنة. ورواه عوف عن الحسن. وقال: لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة.
{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

.تفسير الآية رقم (98):

{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)}
قوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} أي: أردت قراءة القرآن {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} كقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} [المائدة- 6].
والاستعاذة سنة عند قراءة القرآن.
وأكثر العلماء على أن الاستعاذة قبل القراءة.
وقال أبو هريرة: بعدها.
ولفظه: أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح، أخبرنا أبو القاسم البغوي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة، سمعت عاصما عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، قال: فكبر، فقال: الله أكبر كبيرا، ثلاث مرات، والحمد لله كثيرا، ثلاث مرات، وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاث مرات اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه، ونفثه.
قال عمرو: ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر، وهمزه: الموتة، والموتة الجنون، والاستعاذة بالله هي الاعتصام به.

.تفسير الآيات (99- 101):

{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101)}
{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ} حجة وولاية، {عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} قال سفيان: ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر. {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} يطيعونه ويدخلون في ولايته، {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} أي: بالله مشركون. وقيل: الكناية راجعة إلى الشيطان، ومجازه الذين هم من أجله مشركون بالله. {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} يعني وإذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكما آخر، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} أعلم بما هو أصلح لخلقه فيما يغير ويبدل من أحكامه، {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ} يا محمد، {مُفْتَرٍ} مختلق، وذلك أن المشركين قالوا: إن محمدا يسخر بأصحابه، يأمرهم اليوم بأمر، وينهاهم عنه غدا، ما هو إلا مفتر، يتقوله من تلقاء نفسه.
قال الله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} حقيقة القرآن، وبيان الناسخ من المنسوخ.